مسائل وفوائد عن زكاة الفطر

بقلم / عائض بن فدغوش الحارثي

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون
من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى
، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من
ضال تائه قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وما أقبح أثر الناس عليهم
، ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل
الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، أطلقوا عنان الفتنة فهم مختلفون في
الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ، يقولون على الله
بغير علم ، ويتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون
عليهم ، فنعوذ بالله من فتنة المضلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته ، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فلم يترك خيرا إلا ودل
أمته عليه ولا شرا إلا وحذرهم منه حتى تركهم على المحجة البيضاء ليلها
كنهارها لا يزبغ عنه إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين
ومن تبعهم وأقتفي أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً
.


أما بعد : فإن رسول الله قد فرض على المسلمين زكاة الفطر بأمر الله جل وعلا ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) ( النجم : 3-4 ) فرضها لتطهير الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم ، والصدقة تطفىء غضب الرب .
فرضها إحسانا إلى الفقراء وكفاً لهم عن السؤال في أيام العيد ليشاركوا
الأغنياء فرحهم وسرورهم به ، فيكون عيد للفقراء والأغنياء على حد سواء ،
وقد يستغرب بعض الناس هذه الزكاة لقلتها لأنهم ألفوا النعم وإلقاءها في
القمائم ..


‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ونسوا حديث عائشة رضي الله عنها " ما شبع آل محمد من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض " وفي رواية لعروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول "
والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم ثلاثة أهلة في شهرين ، وما
أوقد في أبيات رسول الله نار ، قلت : يا خالة ، فما كان يعيشكم ؟ ، قالت :
" الأسودان التمر ، والماء
" متفق عليهما .


وقد نسي هؤلاء حالة أجدادهم كانوا أعداء فألف الله بين قلوبهم تحت قيادة
الملك عبد العزيز - رحمه الله - فاصبحوا بنعمة الله أخوانا وكانوا فقراء
فأغناهم الله من فضله تحت حكم آل سعود وفقنا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه
، ولقد طالعتنا الصحف في هذا العام بأن خمسة من الأولاد الفلسطينيين شووا
فأرا فأكلوه من الجوع ، وجاءت الأحاديث بأنه سيقع جوع شديد في آخر الزمان
فعن أبى أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلىالله عليه
وسلم .. الحديث - وفيه " وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد " الحديث رواه ابن ماجه وابن خزيمة والضياء المقدسي .


وفي حديث عائشة فأي المال يومئذ خير قال " غلام شديد يسقي أهله من الماء وأما الطعام فلا طعام "
رواه الإمام أحمد و أبو يعلى قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح وقال ابن
كثير في النهاية : تفرد به أحمد وإسناده صحيح وفيه غرابة وصدق الله إذ
يقول : ] وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ [ ( فصلت : 51 ) ، ويقول جل وعلا : ] كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى : 6-7 ) .


[color=#0000ff]وقد آن الأوان للشروع في المقصود من البحث وهو "
زكاة الفطر " تعريفها وحكمها ، ومن تجب عليه ، والمستحقون لها ومقدارها
ونوعها ووقت وجوبها ومكان دفعها ووقت أدائها وقد بذلت جهدي في تحري الصواب
بدليله ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، والله اسأل أن يجعل أعمالنا كلها
صالحة ولوجه خالصة ولا يجعل لأحد فيها شيئاً . فأقول وبالله التوفيق :



تعريف زكاة الفطر :


" هي زكاة البدن والنفس الواجبة بسبب الفطر من صوم رمضان " .
وأضيفت إلى الفطر لأنها تجب بالفطر من رمضان وأتفقوا على أنها زكاة بدن لا زكاة مال[5] .
حكم زكاة الفطر :
حكمها الوجوب ، فقد ثبتت فرضيتها بالسنة والإجماع .
أما السنة : فحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : "
فرض رسول الله صلى عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاُ من شعير
على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن
تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة
.
ومعنى قوله " فرض " أي ألزم وأوجب . ويؤيده قوله في الرواية الأخرى " إن رسول الله أمر بزكاة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير الحديث .


والأصل في الأمر الوجوب ، ولا يصرف عنه إلا بقرينة ، ولا قرينة هنا تصرف
عن أصله ، وكما هو معلوم أن ما فرض رسول الله أو أمر به فله حكم ما فرضه
الله أو أمر به ، وما أوجبه رسول الله فعن الله أوجبه ، وقد فرض الله
طاعته وحذر من مخالفته ففرض الله وفرض رسوله سواء ، والقول بوجوب زكاة
الفطر أتباع لسبيل المؤمنين وأتباع سبيلهم واجب [8] قال الله تعالى : (
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً
)( النساء : 115 ) ، وقال جل وعلا : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ( الحشر : 7 ) وقال جل شأنه : ( مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) ( النساء : 80 ) .


وأما الإجماع : فقد نقل غير واحد من أهل العلم
الإجماع على أن صدقة الفطر فرض نقل ذلك العلامة موفق الدين بن قدامة في
المغني عن ابن المنذر وإسحاق ونقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن ابن
المنذر وغيره.
ثم قال : ولكن الحنفية قالوا بالوجوب دون الفرض على قاعدتهم في التفرقة
وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد ، قال أبو جعفر : أجمع العلماء لا
اختلاف بينهم أن النبي أمر بصدقة الفطر وقال جل أهل العلم هي فرض لم
ينسخها شيء أ هـ.

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم : فزكاة الفطر فرض واجب عندهم لدخلولها في عموم قوله تعالى : ] وَآتُوا الزَّكَاةَ [ ( البقرة : 43 ) ، ولقوله في الحديث : " فرض " وهو غالب في استعمال الشرع . أ هـ .

وصرح بفرضيها أبو العالية وعطاء وابن سيرين فيما نقله عنهم البخاري في صحيحه [15] .


وقال العلامة النووي رحمه الله : والصواب أنها فرض واجب . أ هـ .
وقال الحافظ ابن عبدالبر - رحمه الله - : والذي أذهب إليه أن لا يزال قوله : " فرض " على معنى الإيجاب .ا هـ .

وقال العلامة ابن قدامه رحمه الله والصحيح أنها فرض لأن الفرض إن كان هو
الواجب فهي واجبه ، وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة مجمع عليها . ا هـ .

وقال الوزير ابن هبيرة في الافصاح " واتفقوا على وجوب زكاة الفطر على الأحرار المسلمين " .

وقال ابن المنذر في الإجماع " وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض " أ . هـ

وبهذا يتبين لنا أن زكاة الفطر فرض واجب على كل مسلم أن يؤديه إن استطاع فلا يلتفت إلى من قال بخلاف ذلك .



من تجب عليه زكاة الفطر :


تجب على جميع المسلمين من الرجال والنساء المقيمين والمسافرين كبيرهم
وصغيرهم أحرارهم وعبيدهم غنيهم وفقيرهم إذا كان عنده من القوت ما يكفيه
يوم العيد وليلته فإن لم يفضل إلا أقل من صاع أخرجه ، ولا فرق في ذلك بين
الأعراب من أهل البادية وغيرهم ، وتجب أيضا على اليتيم فيخرجها وليه عنه
من ماله [21].


ويجب إخراجها عن نفسه وعمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا
إخراجها أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم ، فإن استطاعوا
إخراجها فالأولى والأفضل أن يخرجوها عن أنفسهم لأنهم المخاطبون بها أصلاً
.

ولا يمنعها الدين لأنها ليست واجبة في المال ، لكن إذا طالب صاحب الدين بحقه وجب تقديمه فإن فضل شيء بعد ذلك أخرجه .

ولا تجب عن الحمل الذي في البطن ، لكن يسن إخراجها عنه والدليل على وجوبها على جميع المسلمين حديث ابن عمر في الصحيحين وفيه " .. على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين " .

والدليل على عدم وجوبها على الحمل الذي في البطن
الإجماع على ذلك نقله ابن المنذر والدليل على استحباب إخراجها عن الحمل
فعل عثمان رضي الله عنه حيث كان يخرجها عنه وقد أمرنا باتباع سنة الخلفاء
الراشدين وعثمان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين .


فيمن تصرف له :


اتفقوا على أنها تصرف لفقراء المسلمين وقال فضيلة
الشيخ محمد الصالح العثيمين : المستحقون لزكاة الفطر هم الفقراء ومن عليهم
ديون لايستطيعون الوفاء بها.


مقدار زكاة الفطر :

مقدارها صاع بصاع النبي عن كل نفس ، فإن زاد على ذلك صدقة فله أجر أكثر .
وصاع النبي يساوي أربعة أمداد وهي أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل الخلقة
وبالوزن يبلغ صاع النبي كيلوين وأربعين غراماً .

فإذا أردت يا أخي المسلم أن تعرف ذلك فزن كيلوين وأربعين غراما من البر
الجيد وضعها في إناء بقدرها بحيث تملؤه ثم استعمله في كيل زكاتك والله
أسأل أن يتقبل منا ومنك .


نوع زكاة الفطر :

نوعها كل طعام للآدميين سواء كان من تمر أو بر أو أرز أو أقط أو غيرها من
طعام الآدميين والدليل ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "
إن رسول الله فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعاً من شعير " الحديث ، ويدل على ذلك أيضا ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنها قال : " كنا نخرج في عهد النبي يوم الفطرصاعاً من طعام - قال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر


لا يجزئ إخراج طعام البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال " طعمة للمساكين " ولم يقل " طعمة للبهائم " .

ولا يجزئ إخراجها من الثياب والفرش والأواني ونحوها مما سوي طعام الآدميين لأن النبي فرضها من الطعام فلا تتعداه إلى غيره .

ولا يجزئ إخراج طعام به عيب كالمسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه
لعموم قوله سبحانه وتعالى : ] وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ