الشيخ بن جبرين رحمه الله ومسيرة زاخرة بالعطاء والإنجاز

ها هي حبة أثيرة من حبات عقد العلم والدين تنفرط برحيل عالمنا وشيخنا الجليل العلامة بن جبرين الذي أفنى حياته خادما لقضايا دينه، وبقبض شيخنا الجليل تتدافع إلى الذاكرة صور الكثير من العلماء الذين فقدناهم على مدار السنوات الماضية، ويحضرنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (‏إن الله لا يقبض العلم ‏ ‏انتزاعا ‏ ‏ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم ‏ ‏بقبض ‏ ‏العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). (متفق عليه)
ميلاده ونشأته:
وشيخنا ابن جبرين، يرحمه الله تعالى ينتمي لأسرة عريقة، حيث اشتهر جده الرابع حمد بن جبرين بالقضاء والولاية والإمارة في مدينة القويعية وكانت منزلته بين قومه رفيعة؛ فكان هو خطيبهم وأميرهم وقاضيهم، علاوة على ما رزقه الله من سعة في العلم والمال.
في هذا الجو العائلي المشبع بالعلم والعطاء والمعبق بأريج التقى والتفاني ولد بن جبرين يرحمه الله عام 1352هـ بإحدى قرى "القويعية" وعاش طفولته في بلدة "الرين" ثم بدأ مشواره التعليمي عام 1359هـ وبالرغم من ندرة المدارس النظامية والتي كانت من أهم أسباب تأخره في إتمام دراسته ،إلا أنه استطاع أن يحفظ القرآن الكريم في عام واحد وعمره 12 عاما في عام 1367هـ بعد أن أتقن قواعد الكتابة والإملاء والاطلاع على كثير من مبادئ العلوم فقد قرأ على أبيه:"النحو ومتن الرحبية في الفرائض و الأربعين النووية في الحديث الشريف وعمدة الأحكام ثم أكمل تعليمه على يد شيخه الثاني بعد أبيه "عبدالعزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب" ، وفي عام 1374هـ انتقل مع شيخه أبي حبيب إلى الرياض حيث صار طالباً في معهد إمام الدعوة العلمي ليدرس في القسم الثانوي عام 1377هـ ، ثم انتقل إلى الدراسة بالقسم العالي في نفس المعهد لأربع سنوات وحصل على الشهادة الجامعية عام 1381هـ وكان الأول بين الطلاب وفي عام 1388هـ التحق بمعهد القضاء العالي وحصل على الماجستير عام 1390هـ بتقدير جيد جداً ثم حصل على الدكتوراه في كلية الشريعة بالرياض عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف وبالرغم من نهمه الدراسي إلا إنه لم يترك مجالس كبارالعلماء فكان يحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد.

أسرته وحياته العائلية:
ساعده الزواج من ابنة عمه صغيرا في أواخر عام 1370هـ على السعي نحو هدفه فكانت ذات دين وصلاح حيث بذلت جهدها في خدمتة والقيام بحقوق ربها وحقوقه وتوفيت عام 1414هـ بعدما أنجبت له 12مولوداً ذكورا وإناثا مات من مات منهم في الصغر والباقون للآن ثلاثة ذكور وست إناث قاموا على خدمة والدهم والبر به حتى قابل ربه بالأمس.

عقيدته :
أخذ شيخنا الجليل يرحمه الله عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، فقرأ وحفظ ما تيسر من كتب العقائد للشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- وشيخ الإسلام بن تيمية كالواسطية، كما نهج منهج مشايخه في تدريس كتب العقيدة وكذلك في الفقه حيث كان مشايخه الذين درس عليهم فيه متخصصين في مذهب أحمد بن حنبل، لا يخرجون عنه غالباً.


قامات أخذ عنها وتتلمذ على يديها:
تتلمذ يرحمه الله علي كبار المشايخ أولهم والده رحمه الله تعالى حيث بدأ بتعليمه القراءة والكتابة ثم شيخه الكبير عبدالعزيز بن محمد أبو حبيب الشثري الذي قرأ عليه أكثر الأمهات في الحديث وفي التفسير والتوحيد والعقيدة والفقه والأدب والنحو والفرائض وحفظ عليه الكثير من المتون كذلك فضيلة الشيخ صالح بن مطلق وسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ إسماعيل الأنصاري والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد وأيضاً تتلمذعلى يد الشيخ حماد بن مجد الأنصاري والشيخ محمد البيحاني والشيخ عبدالحميد begin_of_the_skype_highlighting end_of_the_skype_highlighting عمار الجزائري وسماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد وقرأ على الشيخ عبدالرزاق عفيفي وهو مشهور من كبار العلماء، وكذا الشيخ مناع خليل القطان والشيخ محمد عبدالوهاب البحيري.
وقد استفاد أيضاً من مشايخ آخرين دراسة غير نظامية وأشهرهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بذلك عبدالله بن باز -رحمه الله- و الشيخ محمد بن إبراهيم المهيزع و الشيخ فهد بن حمين الفهد والشيخ عبدالرحمن محمد المقرن رحمه الله والشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن فرسان والشيخ محمد بن جابر

وظائف وأعمال قام بها على خير وجه:
أوفد يرحمه الله مع الدعاة إلى الحدود الشمالية في أول عام 1380هـ بأمرمن الملك سعود يرحمه الله لنشر الدعوة وتعليم العقيدة وأركان الإسلام حيث كان أغلب السكان من البوادي يعيشون في جهل حتى إنهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ،مما يجعلهم يقعون جهلا في وسائل الشرك وأنواعه، ثم تعين مدرساً في معهد إمام الدعوة عام 1381هـ إلى عام 1395هـ ، وفي عام 1402هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ثم انتقل كإمام لمسجد آل حماد بالرياض عام 1389هـ حتى هدم المسجد وهدم الحي كله في عام 1397هـ ثم خطيباً احتياطياً يتولى الخطبة عند الحاجة ، وفي عام 1387هـ قام بتدريس التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات والعقيدة الواسطية ونحوها لعدد كثير في مسجد آل حماد في آخر عام 1389هـ ، وفي عام 1395 هـ انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض، 1400 هـ وقام بتحقيق شرح الزَّركشي الحنبلي على مختصر الخرقي كرسالة دكتوراه بإشراف الدكتور / عبد الله بن علي الركبان وتمت مناقشة الرسالة إلى النكاح وتمت طباعتها في مؤلفات، وظل يدرس التوحيد بكلية الشريعو بالرياض إلى عام 1402هـ ثم قام يرحمه الله بالتدريس في معهد القضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك في عام 1408هـ ثم انتقل إلى الإفتاء إلى سنة 1418هـ حتى أحيل إلى التقاعد

إنجازاته ومؤلفاته:
مؤلفاته التي طبعت كثيرة لها مكانتها الرفيعة في المكتبة الاسلامية منها:
ـ "أخبار الآحاد في الحديث النبوي" الذي نال به درجة الماجستير في عام 1390هـ
ـ بحث بعنوان: (التدخين مادته وحكمه في الإسلام)
ـ بحث بعنوانالجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق )
ـ (الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما)
ـ (التعليقات على متن اللمعة) عام 1412هـ
ـ (تحقيق شرح الزركشي على مختصر الخرفي) وهو بحثه الذي نال عليه رسالة الدكتوراه واقتصر في الرسالة على أول الشرح إلى النكاح دراسة وتحقيق ثم أكمل تحقيق الكتاب وطبع في مطابع العبيكان سبعة مجلدات
ـ رسالة الإسلام بين الإفراط والتفريط)
ـ رسالة: (طلب العلم وفضل العلماء)
علاوة على كتاباته السريعة وهي كثيرة مما ينقله تلامذته عنه وكان حتى مرضه ووفاته يرحمه الله يزال يتابع الأسئلة التي تأتيه ويحصُل الجواب عليها.

مرضه ووفاته:
انتقل العلامة بن جبرين يرحمه الله إلى رحمة الله يوم الاثنين 20من رجب 1430هـ في الساعة الثانية من بعد الظهر إثر معاناة مع المرض استمرت معه منذ فترة طويلة .
رحم الله شيخنا الجليل وجعل ما بذله في رحلة حياته المديدة في خدمة الإسلام في موازين حسناته ورخصة لرفقة نبيه الكريم وألحقنا بهم في الصالحين. [/

بارك الله فيك اخى