هل يدخل العشق المحرم في شرك المحبة ؟ و متى يصير كفرا؟ لابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي
يقول ابن القيم رحمه الله في "الجواب الكافي" و هو يصف هذا المرض الفتاك الخطير :
"وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه وعز عليهم شفاؤه وهو والله الداء العضال والسم القتال الذي ما علق بقلب إلاّ وعز علي الورى استنقاذه من إساره ولا اشتعلت نار في مهجة إلاّ وصعب علي الخلق تخليصها من ناره وهو أقسام:
تارة يكون كفرا لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه فإنه من أعظم الشرك. والله لا يغفر إن يشرك به وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك وعلامة هذا العشق الشركي الكفرى: إن يقدم العاشق رضاء معشوقه علي رضاء ربه وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه علي حق ربه وآثر رضاه علي رضاه وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده وستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته.
فتأمل حال أكثر عشاق الصور هل تحدها مطابقة لذلك ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل وربم صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه كما قال العاشق الخبيث:
يترشفن من فمي رشفات هن أحلي فيه من التوحيد
وكما صرح الخبيث الآخر إن وصله أشهى إليه من رحمة ربه فعياذا بك اللهم من هذا الخذلان ومن هذا الحال قال الشاعر:
وصلك أشهى إلى فؤادي من رحمة الخالق الجليل
ولا ريب أن هذا العشق من أعظم الشرك وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة بل قد ملك معشوقه عليه قلبه كله فصار عبدا مخلصا من كل وجه لمعشوقه: فقد رضي هذا من عبودية الخالق جل جلاله بعبودية المخلوق مثله فإن العبودية أي كمال الحب والخضوع وهذا قد استغرق قوة حبه وخضوعه وذله لمعشوقه فقد أعطاه حقيقة العبودية.
ولا نسبة بين مفسدة هذا الأمر العظيم ومفسدة الفاحشة فإن تلك ذنب كبير لفاعله حكمه حكم أمثاله ومفسدة هذا العشق مفسدة الشرك وكان بعض الشيوخ من العارفين يقول: لئن أبتلي بالفاحشة مع تلك الصورة أحب إلى من إن أبتلي فيها بعشق يتعبد لها قلبي ويشغله عن الله".