عن أجمل قصة حب عرفتها الدنيا قصة حب سوية الرابط بينهما, رابط شرعيٌ سماويٌ رباني وقعت هذه القصة اللطيفة الجميلة بين قلبين طاهرين وروحين مباركتين وقعت هذه القصة بكل تفاصيلها وأحوالها بين قلب نبينا وقدوتنا وحبيبنا ـ محمد صلى الله عليه وسلم وبين أحب الناس إليه عائشة رضي الله عنها,إبنة أحب الخلق إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنــــــــه.
ففي ليلة العرس وبعد أن زينتها أسماء بنت يزيد رضي الله عنها , دعت النبي صلى الله عليه وسلم للدخول عليها , فدخل وجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلي جنبها وأُتي بقدح فيه لبن فشرب منه نهمه , ثم ناول القدح لعائشة رضي الله عنها فما كان منها إلا أن أطرقت حياءاً منه صلى الله عليه وسلم وكانت أسماء تقف وتنظر لذلك الموقف الجميل فنهرت عائشة رضي الله عنها , وقالت لها : خذي من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذت منه القدح وشربت قليلاً ومازال الحياء يغلبها.
ومن هنا بدأت الحياة الأسرية بينهما فكان إذا دخل عليها تزين لها وطيب فمه بالسواك ..السنة المهجورة في هذه الإيام ...!
وكان لاينام إلا والسواك عنده فإذا أستيقظ بدأ بالسواك وإذا طاب الفم طاب مابعد ذلك أيها الأحباب.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها قبل الخروج للصلاة وهو صائم وهي كذلك صائمة , وكان يتطيب لها ليشتم منه أطيب ريــح وكان صلى الله عليه وسلم يسرح شعره ويرجله ويدهن رأسه ويسرح لحيته بالماء ليكون في أبهى وأجمل صورة وقد كان عليه الصلاة والسلام.
وكانت عائشة رضي الله عنها تطيبه, وكانت تهتم بزينته وتباشر هذا الأمر بنفسها لشدة حبها للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت تفرق رأسه من المنتصف وترجله له بخلاف اليهود الذين كانوا يميلون الفرق.
وتمشط رأسه وهي حائض , بل كان يخرج رأسه من كوة في مسجده لدارها وكانت تفعل ذلك له وهو معتكف بالمسجد, وكانت تتزين له في اللباس والفراش وتتحلى بالحلي والقلائد بل كانت تستعيرها من صويحباتها لتتجمل للنبي صلى الله عليه وسلم وتتهيأ للقياه وتنتظر رجوعه على أحر من الجمر وتستقبله أحسن إستقبال.
وكان ينام معها في شعار واحد وهي حائض وكانت تغتسل مع النبي صلى عليه وسلم من إناء واحد يبادرها القدح فتقول له: دع لي ويقول لها : دعي لي, فيتنازعان الإناء فيما بينهما ففي هذا من العلاقة الحميمية والشفافية مالله به عليم .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعاملها بمعاملة حانية وبلمسات جميلة تفيض بالمحبة والحنان والرحمة والشفقة فكان يشرب الشراب من الموضع الذي تشرب منه وكان يسترها برداءه ويضع خده على خدها وكانت تضع رأسها على منكبه الشريف .
وكان من حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها يسليها ويبعث باللعبِ وصويحباتها إليها ليلعبن معها بل كان يوصي عليها في أيام العيد وغير ذلك , وكان يتسابق معها بالأقدام فيسابقها وتسابقه بل وكان يتدافع معها بجسده ومنكبيه ويشاركها في لهوها ومزاحها في صورة لاأجمل منها.
وكان من حبه لها يناديها بالترخيــــم فيقول لها ياعائـــش , ويناديها أيضاً بوصف جميل فيها فيقول لها ياحميراء .
وكانت من حبها له تظهر غيرتها عليه , فكان إذا غاب تتحسس له , وكان يقدر لها هذا الغيرة , ويلتمس لها العذر...
وكانت من حبها له تحرص اعظم الحرص على القرب منه يقول عبيد إبن عمير: أنه قال: لعائشة رضي الله عنها ياأم المؤمنين أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم , فسكتت قليلاً , ثم قالت : لما كانت ليلة من الليالي دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلي فراشي ولما لامس جلدي جلده , وبشري بشره , قال: ياعائشة ذريني أتعبد الليلة ربي , قالت عائشة والله يارسول الله إني لأحبك وأحب قربك وأحب أن تتعبد ربك , ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم فتطهر ثم قام يصلي , فلم يزل يبكي حتى بل حجره , وكان جالساً ولم يزل يبكي حتى بل لحيته , ثم قالت : ثم بكى حتى بلّ الأرض صلى الله عليه وسلم بدموعه الشريفة , فجاء بلال يستأذنه بالصلاة , فلما رأه يبكي , قال: يارسول الله تبكي وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر , قال صلى الله عليه وسلم: أفلا أكون عبداً شكوراً.
كانت رضي الله عنها من حبها له تأنس بالحديث إليه , وكان يخرج النبي صلى الله عليه وسلم في الليل معها ليتحادثــان بل ويحدث ذلك حتى وهو ذاهب لقتال الكفار.
وكانت من حبها لها تستغل الفرص , أي فرصة للقرب منه أي فرصة للحديث معه تبادر لإغتنامها , تقول صفية بنت حنين رضي الله عنها , حج النبي صلى الله عليه وسلم بنسائه فلما كان في بعض الطريق نزل رجل فساق بهن الجمال فأسرع , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وقد خاف على النساء كذاك سوقك بالقوارير, فبين هم يسيرون برك بصفية جملها , وكان بعيرها قويٌ شديد , ولكن شاء الله جل وعلا أن يبرك بها ولايتحرك , فبكت رضي الله عنها , فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إليها حينما أُخبر بذلك , فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم دموعها بيده , وأزدادت بكاءاً وهو يمسح وهي تبكي فلم أكثرت نهرها صلى الله عليه وسلم وأغلظ عليها وهي رضي الله عنها قد شاقتها تلك اللمسات الحانية, مما جعلها تزداد في بكائها, ثم سكتت رضي الله عنها , فلمانزلوا أنطلقت لعائشة رضي الله عنها , وقالت لها: تعلمين إنني لم أكون أبيع يومي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء أبدا, وإني قد وهبت يومي لكِ على أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم عني , قالت عائشة : نعم , وأخذت عائشة خماراً لها ورشته بالماء لتصعد منه رائحة الزعفران الطيبة , ولبست ثيابها كأجمل ماتكون, وأنطلقت إلي الرسول صلى الله عليه وسلم ورفعت طرف الخباء عنه , فقال : مالك ياعائشة اليوم ليس بيومك...! , فتبسمت . وقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم, فنام معها في ذلك الخباء, فرصة أقتنصتها عائشة رضي الله عنها لحبها للرسول صلى الله عليه وسلم فكانت لاتؤذيه ولاتحتمل أن يأتيه الأذى.
..............